لماذا يتصور المسؤولون أن تكرار نفس الأسباب والملابسات والظروف يمكن أن يأتى بنتائج مختلفة رغم أن العلم ذاته اثبت خطأ تلك المقولة؟ ومع ذلك يصممون على تكرار أخطاء سابقيهم بالحرف ولا ينتظرون ولا يتوقعون بعناد وسوء تقدير نفس النتائج، رغم التحذيرات التى يضج بها الشعب فى صورة غليان يعج به الشارع، يسمعه الجميع ويغفل عنه من بيدهم الحل والربط حتى أنهم لم يلاحظوا فى الفترة السابقة أن المحسوبين على 30 يونيو والداعمين للرئيس بدأوا يوجهون سهام النقد لكثير من السياسات، محذرين من تراكم الغضب، نتيجة لتعثر وسوء الأحوال الاقتصادية ولم يذكروا حتى العصف بالحريات.. أو الموت الإكلينيكى للسياسة والتضييق على منظمات المجتمع المدنى وغياب تام لفقه الأولويات فى تلك المرحلة الحساسة من الإصلاح الاقتصادى، محاولة من النظام لرأب صدع مشاكل متوطنة، غفل النظام السابق عن التصدى لها وتركها لتجمد السياسة والاقتصاد، وكان التصور أن يتم مواجهتها من كل فئات المجتمع كوحدة واحدة.. وأن يدفع الجميع نصيبهم من المشاركة والمعاناة، لا أن تحمل الطبقات الفقيرة فاتورة الإصلاح وينتشر العوز وتتساقط طبقات جديدة إلى مستنقع الفقر وخاصة الطبقة الوسطى وهى رمانة الميزان المفترض أن تحافظ على التوازن وتشارك فى تحسين الظروف، ولكنه لم يحدث أي انتباه لخطورة ذلك، وتوالت التحذيرات، فسمعها الجميع وأدرك أهميتها إلا أصحاب الشأن والقرار!
الخوف يسود، أنواع مختلفة منه تنتشر وتتوغل، حتى بعيدا عن السياسة بعدما رأوا قامات ينكل بها لمجرد إبداء الراى فيما يجرى، أو تحذير مما سيؤول إليه مصير هذا البلد، بعدما انفردوا بالقرار بعيدا عن المؤسسات النيابية المنوط بها المراقبة والمحاسبة والتشريع والدفاع عن مطالب الشعب، ولكن للأسف.. لم يحدث لأسباب معروفة لاداعى لتكرارها!
ماذا بعد؟ ما المفروض أن نفعله ونحن نرى خطرا يتهددنا كشعب، فالسفينة إذا ما غرقت ستكون الأغلبية المسحوقة هى ضحيتها الأساسية، بينما سينجو أهل المال والحكم بطائراتهم الخاصة للحاق بثرواتهم المهربة والآمنة فى البنوك السويسرية!
مرة أخرى، ماذا بعد؟ فرض الصمت على المجتمع، بعدما تم تجميد وتهجين كل البرامج الحوارية التى كانت تعكس هموم المواطنين، حتى لم نعد نرى إلا برامج "كله تمام يا افندم" و"ليس في الإمكان أبدع مما كان" ومما هو كائن بصفة خاصة.. و بعدما بدأت هجرة كل العقول والفئات التى كان من المفروض أن تكون حجر زاوية التنمية والتقدم، ولا ننسى صرخة وزيرة الصحة عن عدم وجود أطباء، لهجرتهم إلى الخارج، بعيدا عن الظروف المرعبة التى يعانون منها وعدم حماية الدولة لهم ماديا ولا مهنيا ولا حتى أمنيا، فى ظل التعدى عليهم.
كل ما سبق ليس إلا نموذجا لمعاناة الشباب فى حياتهم العملية، هذا إذا ما وجدوا عملا فى ظل بطالة أصابتهم بالشيخوخة وهم على أول الطريق.. كل ما سبق لم يهز شعرة من رأس الحكومة.. مادام أهل الحظوة تتم مكافأتهم وتامين أكل عيشهم وتوزيع تورتة المصالح عليهم.
للاسف فإن كل الأسباب التى أدت إلى انفجار الناس ضد نظام مبارك تتكرر وأضف إليها صعوبة المعيشة، بل استحالتها فى ظل ارتفاع جنونى للاسعار التى يعيروننا بأنها أقل من الأسعار العالمية، وينسون أن رواتبنا محلية إلى درجة مخجلة، ومع ذلك نجد أبواق الحكومة تبشر بالرفاهية على جياد الوعود التى تطالبنا بالصبر وهراوات دعوات التقشف تنزل على رؤوسهم وهم يغدقون الأموال على مشاريع عملاقة لا تناسب إلا أهل المال، ولا ينال رزقها إلا المحظوظون، وينسون أن التعليم والصحة والمشروعات المتوسطة، كانت أولى بذلك الإنفاق، ولكنه مرة أخرى غياب فقه الأولويات وغياب الشورى وتفضيل أهل الثقة عن أهل الخبرة.. أي الرجوع إلى المربع الأول لكل مشاكل ما قبل يناير.
إن المقدمات تشى بالنتائج.. يا حكومة!
-----------------
بقلم: وفاء الشيشيني